تدهشنا الحياة كالعادة .. بقدرتها الغريبة على إثارة
مشاعرنا وعواطفنا دون أن يحدث جديد ..
"ما هي المشاعر وكيف تتحكم في حياتنا إلى هذا
الحد؟!! " .. لطالما سألت نفسي هذا السؤال ولم أجد جواباً يريحني ..
حين أستيقظ صباح يوم وأفاجأ بوفاة أحد ما من أقاربي تارة
أو من أصحابي تارة أو من معارفي تارة أخرى , لماذا يجب أن أحزن ؟ هل لأني لم أتوقع
ذلك يوماً !!
حين يأخذ الرب هبته وعطيته التي أوجدها فهذا هو شأنه –
عز وعلا – وحده ولكن هل يعني ذلك أن أتبلد ساكتاً وأصمت مترهباً في انتظار الشخص
الذي يليه !!
تدور هذه
الخواطر في ذهني عند سماع الخبر - وكغيره من أخبار الوفيات - هي الأكثر تأثيراً
فيّ حتى لو لم أكن أعرف الشخص الراحل عنّا ..
أتخيل نفسي أخاً لذلك الشخص فأدعو الله أن يحفظ أخي
ويصبر أخاه , أو أشاهده والداً لأحدهم فأذهب لأقبل والدي و أسأل الله له دوام
العافية والصحة ,, أو أراه صاحب آخر وقد فقده فجأة فأسأل الله أن يرزقه الثبات
والاحتساب أو أن يرزقني بذلك ان كان صاحبي ..
لا أعرف كم الوقت أظل أفكر .. أتربص مرتقبا مشاعري
وعواطفي وما ستؤول إليه , قبل أن يصعد سؤال ساذج الى السطح " ما هو الموت ؟!!
" وقبل أن أجيب يخرج سؤال أكثر سذاجة "ماهي الحياة؟!! " , قبل أن
تخرج مجموعة من الأسئلة التي ما لبثت ان وجدت الباب مفتوحاً لتنطلق جميعها ..
" هل خلقنا لنحيا أم خلقنا لنموت ؟!! " ..
خلقنا لنموت مرة ونحيا مرتين !
" هل الموت هو شيء غريب غير مألوف ؟!! " .. بل هو القدر الذي لا شك فيه !
قصة ,, كان أحدهم يشتكي من صداع مزمن يؤرق ليله ويشقي نهاره
وتزداد حدته مع الوقت , فذهب الى الطبيب الذي طلب منه أن يجري أشعة مقطعية على
المخ وبعد أن قام بالأشعة أخبره طبيب الأشعة أن دماغه يحتوي ورماً خبيثاً وأن عمره
هو أسابيع معدودة أو شهوراً أقل من أصابع اليد الواحدة , خرج الرجل وكأنه سكيراً
أنهكه الشرب لا يدري شيئاً عما حوله لم يستوعب ما سمعه بعد لا يعرف من أين يبدأ
التفكير وفيم يفكر ولا يعرف – ربما -أي شيء في هذا الوقت , لم تحتمل قدماه ثقل
الخبر فذهب الى أقرب كرسي له و جلس قليلاً دون أن يفعل أي شيء .. وقبل أن يمر كثير
من الوقت جاءه أحد الممرضين مهرولاً يخبره أن خطأً ما قد حدث , يخبره أن الأشعة
خاصته قد بُدِّلت مع غيرها وأن دماغه سليمة لا تحتوي شيئاً , لا تعرف كم هي
متناقضة تلك المشاعر التي خرجت فجأة كالينابيع المتضاربة , على الرغم من كم الغضب
الذي شعر به الرجل لذلك الخطأ الرهيب الذي لا يغتفر وعلى الرغم من رغبته في تفجيره
في الوقف الواقف أمامه الا انه لم يستطع ذلك , ولم يملك الا ان يشكر الواقف أمامه
ويحتضنه قبل أن يسجد لله , وكيف لا يفعل وقد حمل إليه هذا الرجل حياة بعد أن كان
قد فقد الحياة !!
انتهت القصة ولكن لم ينتهي ما وراءها , هذا الرجل لم يرى
الحياة من قبل الا حينما رأى الموت لمرة..
ولكن كم منا سيرى الموت لمرة ويدرك معناه قبل أن يفقد الحياة !!
ولكن كم منا سيرى الموت لمرة ويدرك معناه قبل أن يفقد الحياة !!