الجمعة، 2 ديسمبر 2016

موت

تدهشنا الحياة كالعادة .. بقدرتها الغريبة على إثارة مشاعرنا وعواطفنا دون أن يحدث جديد ..
"ما هي المشاعر وكيف تتحكم في حياتنا إلى هذا الحد؟!! " .. لطالما سألت نفسي هذا السؤال ولم أجد جواباً يريحني ..

حين أستيقظ صباح يوم وأفاجأ بوفاة أحد ما من أقاربي تارة أو من أصحابي تارة أو من معارفي تارة أخرى , لماذا يجب أن أحزن ؟ هل لأني لم أتوقع ذلك يوماً !!

حين يأخذ الرب هبته وعطيته التي أوجدها فهذا هو شأنه – عز وعلا – وحده ولكن هل يعني ذلك أن أتبلد ساكتاً وأصمت مترهباً في انتظار الشخص الذي يليه !!

 تدور هذه الخواطر في ذهني عند سماع الخبر - وكغيره من أخبار الوفيات - هي الأكثر تأثيراً فيّ حتى لو لم أكن أعرف الشخص الراحل عنّا ..

أتخيل نفسي أخاً لذلك الشخص فأدعو الله أن يحفظ أخي ويصبر أخاه , أو أشاهده والداً لأحدهم فأذهب لأقبل والدي و أسأل الله له دوام العافية والصحة ,, أو أراه صاحب آخر وقد فقده فجأة فأسأل الله أن يرزقه الثبات والاحتساب أو أن يرزقني بذلك ان كان صاحبي ..

لا أعرف كم الوقت أظل أفكر .. أتربص مرتقبا مشاعري وعواطفي وما ستؤول إليه , قبل أن يصعد سؤال ساذج الى السطح " ما هو الموت ؟!! " وقبل أن أجيب يخرج سؤال أكثر سذاجة "ماهي الحياة؟!! " , قبل أن تخرج مجموعة من الأسئلة التي ما لبثت ان وجدت الباب مفتوحاً لتنطلق جميعها ..

" هل خلقنا لنحيا أم خلقنا لنموت ؟!! " .. خلقنا لنموت مرة ونحيا مرتين !

" هل الموت هو شيء غريب غير مألوف ؟!! "  .. بل هو القدر الذي لا شك فيه !


قصة ,, كان أحدهم يشتكي من صداع مزمن يؤرق ليله ويشقي نهاره وتزداد حدته مع الوقت , فذهب الى الطبيب الذي طلب منه أن يجري أشعة مقطعية على المخ وبعد أن قام بالأشعة أخبره طبيب الأشعة أن دماغه يحتوي ورماً خبيثاً وأن عمره هو أسابيع معدودة أو شهوراً أقل من أصابع اليد الواحدة , خرج الرجل وكأنه سكيراً أنهكه الشرب لا يدري شيئاً عما حوله لم يستوعب ما سمعه بعد لا يعرف من أين يبدأ التفكير وفيم يفكر ولا يعرف – ربما -أي شيء في هذا الوقت , لم تحتمل قدماه ثقل الخبر فذهب الى أقرب كرسي له و جلس قليلاً دون أن يفعل أي شيء .. وقبل أن يمر كثير من الوقت جاءه أحد الممرضين مهرولاً يخبره أن خطأً ما قد حدث , يخبره أن الأشعة خاصته قد بُدِّلت مع غيرها وأن دماغه سليمة لا تحتوي شيئاً , لا تعرف كم هي متناقضة تلك المشاعر التي خرجت فجأة كالينابيع المتضاربة , على الرغم من كم الغضب الذي شعر به الرجل لذلك الخطأ الرهيب الذي لا يغتفر وعلى الرغم من رغبته في تفجيره في الوقف الواقف أمامه الا انه لم يستطع ذلك , ولم يملك الا ان يشكر الواقف أمامه ويحتضنه قبل أن يسجد لله , وكيف لا يفعل وقد حمل إليه هذا الرجل حياة بعد أن كان قد فقد الحياة !!

انتهت القصة ولكن لم ينتهي ما وراءها , هذا الرجل لم يرى الحياة من قبل الا حينما رأى الموت لمرة..
ولكن كم منا سيرى الموت لمرة ويدرك معناه قبل أن يفقد الحياة !!

الخميس، 18 ديسمبر 2014

فراق

ماذا حدث !!

هل تعارفت قلوبنا حين إلتقينا ؟
أم تعانقت أرواحنا قبلها منذ زمن بعيد ؟!!

هل أحببتك  منذ أيام وأسابيع !!
أم أنني أحببتك قبل أن أعرفك ؟!!
وقبل أن أعرف نفسي !!
وقبل أن أعرف الحب !!!

 هل الحب هو ذاك الذي يرشدنا إلى ما نقوم به ؟
وكيف نقوم به !!
ولماذا نقوم به !!!
أم أننا من نسطر معاً معنى الحب ونعرِّفُه ونعرف الآخرين كيف يكون الحب !!

هل تدركين أن لي قلباً قد امتلأ بكِ !
وأن لي عينان لا ترى فتاة سواكِ !!

هل تعلمين أن شوقي وحنيني يقطران الدمع على فراقنا ..
وينتظران الليالي والأيام حتى ألقاكِ !!

هل أخبرتك أنكِ روحي الغائبة !
وحياتي من قبلك ذاهبة !!

وبك فقط يحلو يومي وتحلو أيامي الباقية !!

أعلم أنكِ غاضبة ..
وأشعر -دون أن أعلم السبب - أني أخطأت
ولكن لا تُحَمِّلي قلبي هم أن يراكِ أمامه حزينة وصامتة !!

هل أفرش الأرض وروداً تعبيراً عن حبي وعشقي ؟
أم تقديراً وامتناناً لوجودك في حياتي ؟
أم أسفاً واعتذاراً لتقصيري في حقك ؟!!

أرجوكِ .. لا تحزني ،،
فكل دمعة من عينيكِ تترك جرحاً بقلبي ..

سأظل دوما لجوارك ..
أساندك ..
وأسعدك ..
وأحارب لأجلك ..

وسأظل "أحبك" ، حتى أجد كلمة أخرى أستطيع أن أصف بها .. كيف أعشقك !!

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

زاوية وطن


 منذ فترة ليست بالبعيدة كنا صغاراً .. أطفالاً ، نلهو ونلعب ولا شيء يعنينا !
تربينا على حب الوطن وسمعنا عن روعة الوطن وما تمثله كرامة ومكانة الوطن ,, وكبرنا لنجد أنفسنا بلا وطن !


حين كنت أقرأ في كتب التاريخ ، كنت أنظر إليه من زاوية أخرى غير رؤية الوقائع والأحداث التقليدية .. كنت أرى نفسي في هذا العصر أو ذاك .. أتخيل أني ذلك الشخص الذي صنع الحدث أو ذلك الذي تعرض للظلم والقهر والاعتداء ، كنت أتخيل نفسي أحياناً ذلك الشخص السلبي الفارغ الذي تجاهل كل ما حوله وانطوى إلى ذل نفسه ، وكان أكثر ما يلفت انتباهي الفترات الانتقالية في الأحداث الكبرى .. قيام دولة ، انهيار امبراطورية ، مقتل بطل ، و تتويج فرعون !

كنت أتساءل ما أقصى ما يمكن أن تحتويه أجسادهم وعقولهم من ذكريات وآلام . . .


هل عرفت يوماً ماذا تعني الغربة ؟!!
ليست الغربة أن تسافر إلى بلدٍ ما لا تعرف أحداً فيه فتشعر بقليل من الضيق والحزن والوحدة !
الغربة الحقيقية أن تشعر بذلك داخل حدود وطنك ، أن تشعر بالخوف في بيتك ، أن تشعر بالضيق في عملك ، أن يصاحبك الحزن طالما أنك داخل بساطه الأخضر وتنتمي إلى خطوطه الحمراء !

هل تعرف هذا الشعور .. أن تمشي في الشوارع وترى الكره منها ، أن تسمع الأغاني التي تنادي بقتلك وأن ترى الأعلام التي ترمز لخيانتك وأن ترى الفرحة والشماتة لاغتصاب كرامتك !

ما هو هذا الوطن !! كيف يكون وطناً نذرف من أجله كل هذه الدماء ولا يذرف لنا القليل من الدمع !!
وكما قالت مستغانمي : "كنا نريد وطناً نموت من أجله ، وصار لنا وطن نموت على يديه " ..

الوطنُ يسكن فؤادَ كلٍ منا ، وإن لم نسكن فؤادَه ..
هو بنا يجري في دمائنا ، وإن لم يرغب بنا ..
ولكننا نشتاق إلى وطن !! 


دائماً ما أجلس أسأل نفسي .. كيف يتسع وطن لملأ الأرض من حضارات وثقافات ويضيق بأهله ، وكيف يضيق وطن بأهله ؟!! ولكن كان الجواب يأتيني بعدها .. " ولكن أخلاق الرجال تضيق ! "



سأخبرك عن بعض الألم .. رصاصة غادرة تطيح بأحدهم (من جديد) ،و في الأفق تسمع صراخ أم و بكاء طفل وإنهيار صديق !
هل تعلم ما هي عبثية الحزن والألم .. أن تسمع ذلك الخبر فلا تحزن ، لقد اعتدت عليه ، لقد صار عادة اليوم والليلة ، وتفاجأ أنه أحد المقربين إليك ولا تحزن كما ينبغي .. أحد أشكال الخيانة وان لم يكن لك قصد بها !

في أحد الأيام نزلت أنا و بضع من أصدقائي لنعبر عن وجودنا ، لنخبر بعضهم أننا لسنا أشباح معهم في أرض مشتركة ، أن لنا حق سنسترده بصوتنا و قبضتنا ودمائنا ..
ذهبوا معاً إلى ظلمة السجون وظلم كل من لا يخاف الله ، ورجعت وحدي إلى بيتي تفوح مني رائحة الذل والقهر !

هل للظلم رائحة ؟!! هي رائحة وطني .. هي رائحة استباحة الدماء ، رائحة قهر الأبرياء ، و رائحة الرقص على جثث الشهداء !


إلى أصدقاء الدرب ورفاق الكفاح .. لم ننتهي ، لن تجمعنا أرض ويفرقنا وطن !

انتهت كل سهامنا وبقى معنا السهم الأخير .. سهم الأمل .. والدعاء لله والرجاء بأقداره ، به نحيا .. ونموت ولا يموت ، هو الطريق الموجود دائماً إذا انعدمت باقي الطرق ..

تصبحون على خير .. تصبحون على وطن !


الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

زيد وزياد - بين الصداقة والحب (الجزء الرابع "الأخير")



(مذكرات ريما – بعد بداية الدراسة في العام الأول بعد العام الاعدادي )

" اليوم هو اليوم الأول في الأسبوع الثاني بعد الدراسة ، لم أكتب منذ فترة بعيدة .. اجتزت الاختبارات بتقدير جيد جداً ، وإلتحقت بقسم الاتصالات ، أما زياد قلقد إلتحق بأحد أقسام الميكانيكا , و زيد إلتحق بقسم الهندسة المدنية .. كما أراد كل منا .
زيد .. لم أكتب عنه من قبل إلا قليلاً ، ربما لم أكتب أبداً .. اليوم سأكتب عنه كثيراً ، كم كنت حمقاء ، اليوم كنت أنظر في بعض أوراق العام الماضي وأرتب مكتبي من الكتب والمتعلقات القديمة استعداداً للعام الجديد ، ووجدت في أحد الكتب ورقة كان زيد قد كتبها يشرح لي فيها شيئاً ما ، ليس ذلك هو المهم .. المهم أني تذكرت ذلك الخط بمجرد رأيته .. ذلك الخط السلس الصغير ، نعم إنه هو !! فتحت الرسائل القديمة كلها وقرأت البطاقات التي كتبت على الهدايا وراجعت كل ورقة كانت عندي كتبها بخط يده .. نعم إنه نفس الخط .. إنه نفس الشخص !!
لقد كانت الجواب بيدي طوال الوقت ، كان الجواب يسألني دوماً فألقي إليه بمزيد من علامات الإستفهام والحيرة .. لماذا لم أرى ذلك .. لماذا لم أرى إلا زياد أمامي ، لماذا كلما أحببت شيئاً تذكرت زياد .. أو رأيت زياد أو سمعت زياد !!
لماذا لم أدع لنفسي الفرصة أن أرى شيئاً آخر .. شخصاً آخر .. حباً آخر ؟!!
هل إنتهى الأمر .. بالنسبة لزيد نعم لقد إنتهى ، لم يحدثني مرة منذ رسالته الأخيرة ، لم يحدثني بصوته أو بكلماته أو بحبره .. لم أسمعه من يومها .. لم أفتقده ، كان عابر سبيل لا أكثر !
و زياد .. هل ما زال للحب معه طريق أم أن النهاية واحدة ؟!! "

-----------------------

منذ أن انتقل كل من زيد وزياد إلى قسم مختلف أصبحت لقاءاتهما أقل من المعتاد ، اذ أن طريق كل منهما بالدراسة أصبح مستقلاً عن الآخر وان لم تكن صداقتهما كذلك ..

بعد عدة أشهر أشهر من بدء العام الثالث بالدراسة أخبر زيد زياد أنه يريد لقاءه ليخبره أمراً ما ..
زيد : " هل تذكر يارا ، تلك الفتاة التي تدرس معي بنفس القسم وأخبرتك أني معجب بها منذ عام تقريباً ؟!! "
زياد : "نعم ماذا بها !! "
زيد : "أخبرتها منذ يومين أني أريد لقاء والدها للتقدم إليها رسمياً .. واليوم أخبرتني بالرد ، والدها ينتظرني نهاية الأسبوع القادم "
زياد : " يا له من خبر رائع ، أنا سعيد حقاً لذلك .. "
قال له زيد : " هل تذكر عندما أحببت ريما وأخبرتك أني أحبها ، لم يكن بإمكاني حينها أن أتخيل شخصاً غيرها أعيش بدونه حياتي .. تصورت أن هذا هو الحب ولا شيء غيره ، الآن أنا رأيت يارا .. ورغم أني أحبها وهي أيضاً تفعل ذلك إلا أني حين صارحتها لم أقل لها سوى أني معجب بها .. أشعر أني نضجت ، فعلاً الدروس لا تأتي مجاناً .. بمناسبة ذلك كيف حالها الآن ؟!! "
إبتسم زياد ابتسامة عريضة ونظر إلى أعلى قليلاً ثم قال : "إنها بخير ، لا أعلم عنها سوى ذلك .. "


وكأن زيد ألقى إليه بحملاً ثقيلاً .. طوال طريق عودته إلى البيت كان يفكر في ريما ، تذكر ما أخبرته والدته صباح ذلك اليوم أن ريما قد تقدم لخطبتها أحد الأشخاص ولكنها لم تقبل به .. طوال العامين الماضيين لم يقابلها إلا مرات عابرة وكان حديثهما قصيراً سريعاً ، هو يعلم يقيناً أنها تحبه ، يعلم منذ أن أخبره زيد ذلك على الأقل.. لم يخبره زيد أنه تركها لذلك السبب ولكنه أحس بذلك منه أيضاً .. كان أكثر ما يخشاه أن تكون رفضت ذلك الشخص من أجل زياد .. يجب أن ينتهي الأمر !

بعد عدة أيام قابل زياد ريما في كافيتيريا الكلية ..
زياد : "ريما ، كيف حالك ؟!! "
ريما : "بخير زياد ، لم أرك منذ فترة طويلة "
زياد : " لا أذهب للكلية كثيراً هذه الفترة استعداداً للإختبارات النهائية "
ريما : " إنها قريبة جدا ..  نقترب من إنتهاء عامنا الثالث بهذه الكلية ، أتذكر لقاءنا الأول هنا بنفس المكان .. وكأنه بالأمس ! "
زياد : " فعلا إن العمر يتقدم بنا .. "  وأكمل بغتة : " .. زيد سيخطب بعد أيام "
ريما : " حقاً ، من هي ؟!! "
زياد : " يارا زميلته بالقسم .."
ريما : " إنها فتاة طيبة رقيقة ، وزيد فتى هاديء ومحترم .. كلاً منهما يستحق الآخر، بارك الله لهما  "
زياد : " سمعت أنه تقدم لخطبتك أحدهم منذ أيام !! "
ريما : " نعم ، إنه هيثم شاب طبيب تخرج منذ عام "
زياد : " وماذا كان ردك ؟!! "
ريما : " أشعر أن الوقت مبكر على شيء كهذا وأيضاً لا أشعر أنه الشخص المناسب وان كان يشهد له الجميع بالدين وحسن الخلق !! "
زياد : " هل تنتظرين شخصاً ما !! "
أدركت ريما ما يرمي إليه فأجابت : " ربما ! "
قال زياد : " ربما تنتظرين شخصاً لا ينتظرك ، ربما كنتما تنتظران بعضكما البعض ولكن القدر قد وضعكما في قطارين يتجه كلاً منهما ضد الآخر .. الوقت ليس مبكراً ، لا داعي للانتظار بعد الآن ، لا تضيعي الفرصة المناسبة ان جاءتك  "
لم ترد ريما ، ودعته بعدها وذهب كلا منهما في طريقه ، كم كان زياد يشعر بالذنب ، يشعر أنه قاسِ القلب بارد المشاعر .. إنه يتألم حزناً ولكنها الحقيقة الغائبة التي لا بد أن تعرفها ، لا يجب أن نعيش في قصور من الأوهام لتقع فوق رؤوسنا في أحد اللحظات !

-----------------------

(مذكرات ريما – قبل الاختبارات النهائية بأسبوعين )

" كم نحن أغبياء ؟!!  تتلخص حياتنا في البحث عن الحقيقة وعندما نراها نحزن لسماعها  !!
كم هي صعبة الإجابة حين تأتيك من شخص لطالما أردت أن تسمع منه السؤال وسؤال واحد فقط : [هل تحبينني ؟!!] ..
كم هي صعبة الإجابة دون سؤال ، كم هي صعبة الإجابة خارج الإطار حينما لا توجد إجابات نموذجية !
كم هي صعبة الإجابة حين لا يكون لأي سؤال معنى أو منطق بعدها !
كم كنت حمقاء .. كم كانت سعادتي اليوم حين أخبرني زياد أن زيد سيخطب قريباً ، كنت أظن ان ذلك ما يمنعه حتى الآن .. ولكنني لم أدرك أنه ان كان سيفعل ذلك لفعله منذ فترة بعيدة !
حتى اللحظة الأخيرة كنت أعيش بأمل زائف .. حتى بعد أن أخبرني وبعد أن ودعني انتظرت أن يلتفت ويقول لي : [لا تذهبي] ..
أنا أعلم أنه كان يحبني بأحد الأيام ولكنه لم يحبني كل يوم ..
أمس رحلت عن زيد واليوم يرحل زياد عني ..

اليوم ولأول مرة .. أفتقد زيد ، ولا أفتقد زياد !! "



النهاية

الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

زيد وزياد - بين الصداقة والحب (الجزء الثالث)




بعد يومين عاد زياد مرة أخرى إلى الكلية حيث كان اختبار نصف الفصل الدراسي الأول ، بالطبع لم تستعد يده عافيتها بعد - وان كان يكتب بيده الأخرى- لذا لم يستطع القيادة و ذهب إلى الكلية بواسطة احدى سيارات الأجرة ..
بعد الاختبار تقابل زيد وزياد ، كانا يمشيان ويتحدثان عن الاختبار وأشياء أخرى وكان زياد يريد أن يسأله عن معنى ما كتبه وعن الشخص المقصود بذلك ، ولكن قابلتهما ريما بالطريق فتوقفت وقالت : "زياد ، كيف أخبارك ؟!! ما الذي حدث ليدك ؟!! "
رد زياد : "بخير يا ريما أشكرك ، مجرد حادث بسيط لا أكثر ، كيف أبليتي بالاختبار ؟ "
قالت : " أبليت جيداً "
قال زياد موجهاً كلامه إلى زيد و ريما : " معذرة لم تتعرفا على بعضيكما ، زيد .. صديقي المقرب و بمثابة أخي  ، ريما .. جارتي تسكن أسفلنا بطابقين منذ عدة سنوات حين انتقلوا إلى هذا المنزل "
قال زيد بمزيج من الدهشة والمفاجأة : " أهلا ريما ، سعيد بالتعرف إليكي"
ردت ريما بدورها : " أهلا زيد "
بعد حوار قصير بين ثلاثتهم مشي زيد وزياد في طريقهما .. قال زياد : " إذن ألا تريد إخباري عن شيءٍ ما "
قال زيد منزعجا : " أي شيء تقصد !! "
قال زياد : " لقد قرأت جملة كتبتها في أحد صفحات دفترك ، ألا تريد أن تخبرني من هي ؟!! "
كان زيد يملك كثيراً من الشك تجاه النظرات التي رآها في عيني ريما المرة الماضية حين كانت تتحدث مع زياد ، ويظن أن تلك النظرات كانت لزياد أيضاً بالمقابل على الرغم أنه لم يرى وجهه لأنه كان يقف خلفه .. إلتقط زيد أنفاسه ثم رد قائلاً: " بعض الأشياء أظن أنه ربما من الأفضل ألا نعرفها ، و بكوننا لا نعلم الكثير عنها يظل الجهل بها دفاعاً قوياً عنّا ، وبمجرد معرفتنا لهذه الأمور نصبح أمام التزامات قد لا نريدها "
قال زياد : " منذ أن صرنا أصدقاء صارت لنا حياة مشتركة وإلتزامات مشتركة ، وقام القدر بسطر سطورنا معاً في كتاب واحد منذ ذاك التوقيت .. واجبي أن أدعمك وأساندك في كل ما تفعله "
تردد زيد قليلاً ثم قال : "حسناً انها ريما .. "
قال زياد : "سأعترف لك أني لم أتوقع ذلك ..  ولكن لماذا لم تخبرني مباشرةً ؟!! "
قال زيد : " ربما لأنني ظننت أن كلاً منكما معجب بالآخر "
قال زياد : " ريما فتاة جميلة ومهذبة وأعرفها منذ زمن وأكن لها الكثير من الاحترام ، ولكن لا يوجد هذا الإعجاب الذي تتحدث عنه .."
وكاد زياد أن يكمل : " .. على الأقل من ناحيتي ! " ولكنه صمت .
رد زيد بابتسامة هادئة : " إذن ما هي الخطوة القادمة ؟!! "
قال زياد : "بالطبع سأساعدك لتصل إلى ما تريد "

-------------------

عرف زيد كل ما استطاع أن يعرفه عنها ، ما تحبه وما تكرهه ، تاريخ ميلادها ، وما تفضل من هدايا .. كل ما استطاع معرفته وان لم يكن ذا قيمة !
كان يكلمها كثيراً ، في البداية برفقة صديقه ثم وحده بعد ذلك .. كادا أن يصبحا صديقين بعد أن تقرب منها كثيراً ..
قرر أن يبعث لها مجموعة من الرسائل والهدايا المجهولة قبل أن يخبرها أنه من فعل ذلك وسبب ذلك ، أراد أن يرى رد فعلها ازاء الموضوع نفسه ، وأراد أن يمنح الأمر وقتاً قبل يخبرها صراحةً بذلك !
أخبره زياد أنها ربما ليست بالفكرة الجيدة أن يفعل ذلك بشكل مجهول وان يدع لها الفرصة لتعرفه ، أخبره زيد أنه لن يحاول اخفاء هويته تماماً وربما سيشير لها بطرقة غير مباشرة أنه المرسل وأخبره انه يفعل ذلك لأنه يظن أنها طريقة أفضل لمنع التوتر المباشر اذا أخبرها مباشرة ، كان زيد يخفي عنه سبباً اضافياً لم يرد اخباره به ، لم يقتنع زياد تماماً ولكنه قال له : "لا بأس " ..
إلتقى زيد بريما عدة مرات خلال الشهرين التاليين وإلتقيا مرتين في المكتبة ليشرح لها بضعة دروس تستصعب عليها بعد أن اقترح عليها ذلك ولم تعترض .. وبعد ذلك قرر أن يبعث لها بأول رسالة !


كانت محاضرة طويلة في بداية الفصل الدراسي الثاني ، وكما اعتاد ذلك الأستاذ المحاضر كل أسبوع أن يمنح طلابه مدة راحة عشر دقائق بعد ساعة ونصف من بدء المحاضرة ثم يعودون لاستكمال الساعة الباقية .. قام الطلاب تاركين أشياءهم ثم عادوا لأماكنهم بعد انتهاء الراحة لاستكمال المحاضرة ، رجعت ريما لمكانها .. لفت انتباهها جزء من ورقة مطوية تحت دفتر محاضراتها كتب بها :
" إلى ريما .. سكنتي داخلي دون استئذان ، هلا تتركين لي بعضاً مني !! "
امتلأ وجه ريما بالاستعجاب والدهشة ، نظرت حولها قليلاً لم تستطع أن تحدد شيئاً غريباً أو ان أحدا ينظر إليها ، أغلقت الرسالة ووضعتها بحقيبتها وأكملت المحاضرة وهي مشغولة طوال الوقت بالتفكير .. من هو ذلك الشخص !

بعد ذلك الحدث بأقل من شهر كان عيد ميلاد ريما ، عرف زيد أنها تحب أحد أنواع الشيكولاتة المميزة ، اتفق مع أحد محلات الحلوى ليرسل لها ما طلبه إلى منزلها بعد أن أعطاهم عنوانها ، وعلى الرغم أنه كان يمر كل فترة بمنزلها حين ذهابه إلى منزل زياد ليذاكرا معاً الا انه لم يضعها بنفسه نظراً لما قد يحتويه الأمر من مشاكل ..
مرت الأيام سريعاً ، قام زيد بكثير من الأشياء وكتب لها أكثر من مرة ، كان يعلم أن الوقت حان ليخبرها ولكن كان دائما قلق من أمر ما يشغل باله ويزداد ملاحظته لذلك الأمر كلما عرفها أكثر !

-------------------

(مذكرات ريما – قبل نهاية العام بفترة قصيرة )
" اليوم تلقيت الرسالة التاسعة من ذلك الشخص المجهول ، بعد هديتين أرسلا إلى سابقاً أحدهما بعيد ميلادي ، لقد قال لي هذه المرة أن هذه هي الرسالة قبل الأخيرة التي يرسلها لي كشخص مجهول ، وأني سأعرف قريباً من هو اذا كتب القدر ذلك .. لم أفهم معنى كلامه بشكل جيد ، ما تلقيته في الرسائل الماضية يخبرني أنه يحبني بشدة وان لم يقل ذلك صراحةً ، أنا أظن أيضاً أنه شخص أعرفه جيداً ويعرفني جيداً ، كلماته تدل على ذلك ،، لا أستطيع أن أجد شخصاً ربما فعل ذلك غير زياد .. كم أتمنى أن تكون أنت يا وزياد وفقط وقتها سأسامحك على تلك الحماقة .. أحد غيرك لا أظن أن أسامحه أو أقبل به "

-------------------

كان زيد شبه متأكداً .. انها تحب زياد ، لا يمكن للغة العيون أن تخطيء ، على الرغم من اللقاءات المحدودة بالفترة الأخيرة وعلى الرغم أنهما كانا على انسجام إلا أن نظراتها لزياد تتفوق على أي شيءٍ آخر .. هو لا يدري هل يعلم زياد بذلك أم لا ولكن كيف لا يرى شيئاً بهذا الوضوح ، منذ اللحظة الأولى وحتى ذلك الوقت هو يعتقد أنها لم تفكر إلا بزياد حتى وان قضت وقتاً أكثر معه هو !!



في مجموعة عملية لأحد المراجعات النهائية قبل اختبارات نهاية العام وجدت ريما الرسالة الأخيرة كتب بها : " في بحر الحب لا تأتي الأقدار دوماً بما تشتهي القلوب .. "

انزعجت ريما كثيراً من الرسالة وتلقتها بكثير من المفاجأة اذ أن محتوى الرسالة كان يحوي معنى مناقضاً لما احتوته الرسائل الماضية جميعها ، أغلقت الرسالة ونظرت بحدة إلى جانبها الأيمن حيث كان زياد يوجد في أقصي يمين القاعة وظلت تنظر تجاهه لحوالي النصف دقيقة .. ومن خلفها بعدة مقاعد كان زيد يجلس وهو يبتسم إبتسامة تملؤها الحسرة و تعلن النهاية ..

يتبع ..

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

زيد وزياد - بين الصداقة والحب (الجزء الثاني)



(( قبل 10 دقائق .. ))
أنهى زياد مكالمته الهاتفية مع زيد ومشي قليلاً حتى وصل للكافتيريا ليجلس بانتظاره ..
بعدها بلحظات قام ليشتري أحد المشروبات الباردة ، وبينما هو واقف راى فتاة تقف على مقربة منه ، نظر إليها قليلاً ثم سألها قائلاً : "ريما !! "
نظرت الفتاة بدورها وردت : "زياد ، كيف حالك ؟!! "
قال : "بأفضل حال ، أشكركِ .. ما الذي أتى بكِ إلى هنا ؟! "
قالت : " ربما لم تلاحظ ولكني معك بنفس الكلية " ، ثم أكملت : " وبنفس المجموعات العملية أيضاً "
رد زياد بحرج : " فعلاً لم أراكِ إلا الآن منذ دخولنا إلى الجامعة "
قالت له : "لا بأس .. أعرف ان كل شيء لا يبدو في مكانه ونحتاج الوقت كي نتأقلم مع ما حولنا ونتعرف على زملائنا "
قال : "ولكنكِ بالطبع أكثر من زميلة ، أنت جارتي منذ 8 سنوات تقريباً ، كيف حال والديك وأخيكِ أحمد ؟"
قالت  : " بخير جميعاً "
في هذه اللحظة وردت رسالة إلى هاتف زياد :
" اضطررت إلى الذهاب لقضاء بعض المهمات لأمي ..
ارجع ولا تنتظرني ..
زيد "
تملكت الدهشة زياد ، لم يراسله زيد برسالة هاتفية وليست مكالمة عادية ، ليس هذا من عاداته ، وما هو الأمر العاجل الذي اضطر للذهاب إليه دون أن ينتظر أو يسأله فيذهب معه ..
قال زياد لـ ريما : " أنا مضطر إلى الذهاب الآن ، ربما نتحدث لاحقاً ، واذا أردتي أي شيء لا تتردي في سؤالي"
قالت ريما : "بالطبع يا زياد .. بالطبع "
ودعها زياد وذهب إلى سيارته عائدا ً إلى بيته ، وما زال يفكر : "ما الأمر ؟!!"

---------------------

إستلقى زيد على سريره محاولاً النوم ، هو لم يعتاد النوم بعد رجوعه من الجامعة .. ولكنه حاول ذلك للتخلص من الأفكار والاضطرابات التي تعبث براسه ..
" كيف تقابَلَ زياد مع ريما ؟؟ وفي ماذا كانا يتحدثان ؟!! "
"هل يعرفان بعضهما ؟!! بالطبع ، نظرة الود التي رآها تطل من عيني ريما لا تدل على لقاء المرة الأولى !"
" هل كانت شيئاً آخر غير الود ؟ هل هناك شيء ما !! ولكن متى حدث ذلك ولماذا لم يخبرني زياد ان كان هناك شيء "
الكثير من الأسئلة ولا إجابة ، وكل شيء يبدو لامنطقياً إلى أقصى الحدود ..
هو غاضب من نفسه أيضاً ، لأنه ترك زياد بدون سبب أو خطأ منه .. هو لا يعرف لماذا قام بهذا ، فقط في حينها كان يبدو ذلك هو التصرف المناسب !!
بعد كثير من التفكير بلا جدوى .. لم يقرر فعل أي شيء وقال في نفسه : "لماذا يجب أن تكون الأمور دائما بهذه الصعوبة ؟ "

---------------------

دهش زيد عندما استيقظ من نومه ونظر للساعة .. لقد نام حوالي أربع ساعات !
خرج من غرفته وبينما كان يتناول غداءه قالت له أمه : " لقد حدثت لزياد حادثة صغيرة ، وكسرت يده .. "
رد زيد بإنزعاج : "متى حدث ذلك ، لقد كان بخير في الصباح ! ولمَ لم توقظيني ؟!! "
قالت : " عند نزوله من سيارته أمام بيته اصطدمت به دراجة بخارية مسرعة .. حاولت إيقاظك منذ ساعة عندما عرفت ولكنك كنت مستغرقاً في النوم "
قام زيد دون أن يكمل غداءه واتصل على بيت زياد لترد عليه والدته وتخبره أنه نائم إثر المسكنات التي تناولها .. أخبرها أنه سيزوره غداً عند عودته من الجامعة وأنهى المكالمة !


---------------------

ذهب زيد إلى الكلية وحده لأول مرة .. كان تائهاً طول الوقت تقريباً ، يكتب ملاحظات في دفتر المحاضرات تارة ويكتب ما يجول في باله تارة ويرسم قليلاً تارة أخرى ..
هو مشتت الذهن ، يعرف أنه يحب ريما أو هكذا يظن .. هو لم يعرف الحب من قبل ، ولكنه يعرف الصداقة فهو يعرف زياد وهو يعرف أنه لا يريد أن يخسره لأي سبب !
كم يشعر بتأنيب الضمير الشديد ، يشعر أنه خذل صديقه .. خذله عندما غضب منه بدون سبب ، وخذله عندما تركه ورحل وحده ، خذله لأنه ليس من المفترض أن يشعر هكذا تجاه صديقه !
ولكنه يعرف أنه يحبه ، لا يهمه ما هي طبيعة العلاقة بين زياد و ريما ، فقط يهمه ألا يخسر صديقه !
كانت ريما تنظر له من وقت لآخر ، كانت تستغرب غياب زياد فهي لم تراهما افترقا منذ دخولهما معاً ، وكان ينظر لها على استحياء من حين لآخر !!

---------------------

رجع زيد من الجامعة إلى أحد محلات الحلويات ليشتري علبة كبيرة من الشيكولاتة ثم ذهب إلى بيت زياد مباشرة دون أن يرجع إلى بيته ..
جلس معه حتى طول اليوم تقريباً بعد أن أصرَّ والدا زياد على ذلك ..
شاركهم الغداء وبعدها بقليل جلس كل من زيد وزياد ووالده ليشاهدا إحدي المباريات على التلفاز ..
كان يوماً رائعاً مليئاً بالضحك والمزاح ، وبعد إنتهاء المباراة بقليل استأذن زيد في العودة إلى بيته إذ أن المساء قد حلّ ووالدته لا تحب تأخره في العودة إليها ، ووعد زيد زياد أن يأتي إليه غدا ليذاكرا معاً دروسهما ويستعدا للإختبار الذي بانتظارهم آخر الأسبوع ..
---------------------

كان اليوم التالي في الكلية مملاً كالذي سبقه ، زيد ليس له أصدقاء غير زياد ولم يتعرف بعد على زملاء جدد  ، بعد ذهابه إلى منزله استراح قليلاً وأنهى بعض الأشياء ثم اتجه إلى منزل صديقه ..
جلسا قرابة الثلاث ساعات يستذكران ما فاتهما في الأيام الماضية ثم بدءا بمذاكرة الجزء المحدد للاختبار ..
طلب زياد من زيد أن يترك له دفتر محاضراته لينقل منه بعض الأشياء ، وأخبره أنه سيعود للكلية يوم غد أو بعد غد على أقصى تقدير ..
ذهب زيد إلى بيته ، وقام زياد ينقل بعض الملاحظات ويذاكر ما تبقى له .. ثم بدء بمراجعة الأشياء القديمة ..
تذكر أنه لم يحضر أحد المحاضرات القديمة لتأخره عنها ، فأخذ يقلب دفتر زيد يبحث عنها فيه ، وبينما هو كذلك إذ توقف فجأة على أحد الصفحات ليجد مكتوباً فيها ..
هل كتب القدر لنا أن نفترق قبل أن نجتمع ..
لمَ كُتبت نهايتنا ولم تكتب بدايتنا ..
قمري الغالي .. ربما لكي سماءٌ غيري تسكنينها "

تراجع زياد في دهشة وعلى شفتيه شبه إبتسامة وكثير من الإستعجاب وقال في نفسه :  " حسناً هذا يفسر الكثير !!! "


يتبع

الأحد، 11 أغسطس 2013

زيد وزياد - بين الصداقة والحب (الجزء الأول)



فتح زيد عينيه ببطء في الصباح على صوت رنين جواله ، أغمضهما مرة أخرى لعدة ثوان ما لبث بعدها أن قام ليرد عليه : "صباح الخير يا زياد ، لا استيقظت لتوي .. وما فائدتك في حياتي ان فعلتُ ذلك من دونك، سأنتظرك في غضون نصف ساعة ،لا نريد أن يسجل تاريخنا غيابنا في أول أيام الكلية .. لا تتأخر ! "
----------------
منذ عدة سنوات وحتى الصف الثاني من المرحلة الاعدادية كانا لا يتعديان مجرد كونهما زميلي دراسة ، حتى ذلك اليوم الذي تشاجر فيه زياد مع أحد زملائه في المدرسة وحين تدخل زيد محاولاً الفصل بينهما تلقى لكمة غير معلومة المصدر ليسقط على الأرض وتنكسر ذراعه ..
شعر زياد وقتها بتأنيب الضمير الشديد على الرغم انه لم يكن هو من ضربه وذهب إليه بهدية معتذراً وكان يداوم على زيارته ما يقارب الشهر حتى عادت ذراعه لطبيعتها ..

من يومها وهما صديقان مقربان ، من يومها وهما لا يفترقان .. لا تجد زيداً إلا وبجواره زياد ولا تسأل عن زياد إلا ومعه زيد !
بعد فترة الثانوية إلتحق كل منهما بكلية الهندسة جامعة الاسكندرية حيث كان تقديرهما يؤهلهما لذلك وحيث كان الاثنان يسكنان ..
----------------
انتظر زياد بسيارته تحت بيت زيد .. ولم ينتظر دقائق حتى وصل زيد مسرعاً ليركب بجواره وينطلقا باتجاه مرحلة أخرى من حياتهما ..

في أول أيامك في الجامعة أنت كالغريب في أرضٍ لا تعرفها .. لا مرشد ليدلك على الأماكن ولا خريطة لتهديك إلى طريقك ، وأنت غير ذلك لا تعرف ما هي وجهتك .. تجد بعضهم يسير في اتجاهات متضادة وآخرون يجلسون على الدرج ويتحدثون معاً وغيرهم يتناولون طعامهم في هدوء ..
بعد كثير من التعب والمعاناة استطاعا أن يصلا لشئون الطلبة والتي يفترض بها خدمة الطلبة واستطاعا من خلالها معرفة مكان الجدول المعلق في مكانٍ سري لا يكاد يصل إليه أكثر المخبرين براعة !
حيث كان المحاضر يشرح لهما المحاضرة الثانية في جدولهما والتي كانت الأولى لهما نظراً لما ضيعاه من وقت في البحث عنها ، إلتفت زياد إلى زيد وقال له :"هل تفهم شيئاً؟!!  أشعر أني أحمق !!" رد زيد ضاحكاً :"أفهم القليل ولكن هذا شيء طبيعي في البداية فقط ، لا تقلق" ..

مر اليوم الأول والثاني والثالث.. وبدأ الضباب ينقشع تدريجياً ، وبدأ كل منهما يدرك كيف تسير المحاضرات وكيف تكون المذاكرة وماذا يجب أن تفعل لكي تتكيف مع ما يحيط بك من كل الأمور ..
وكان زياد يذهب إلى زيد في بيته حيث كانا يجتمعان ليذاكرا معا وليحاول كل منهما مساعدة الآخر فيما يعرف ..

كان زيد وزياد أكثر من صديقين .. كانا أخوين ، كانت علاقتهما قد صارت أقوى خصوصاً بعد وفاة والد زيد قبل ما يقارب العامين .. زيد وحيد لا أخوة له ، لم يكن ليتجاوز هذه المحنة وحده .. كان زياد بجواره دائماً ، كان بمثابة الصديق والأخ الأكبر و ربما الوالد لو اقتضى الأمر ..
وكان زياد يحب زيد .. يرى فيه ما كان ينقصه دوماً ، يحب حكمته ونضجه ، حياؤه وصمته ، صبره وتحمله .. يحب كل ما فيه !
ربما لأن زياد أيضاً لم يكن لديه أخوة إلا من البنات .. وكان يحب أن يتحدث ويحكي كل أيامه لصديقه ..
كان كل منهما بمثابة وطن صغير يسكنه الآخر وحده ..


تمر الأيام ويذهبان إلى الجامعة ويعودان معاً ويقضيان معظم الوقت بينهما برفقة بعضهما أيضاً ..
مع بدء تقسيم المجموعات العملية لاحظ زيد فتاة جميلة تدرس معهما بنفس المجموعة كانت تنظر ناحيتهما أكثر من مرة .. لفتت تلك الفتاة انتباهه أكثر مما ينبغي ، رآها ذات مرة  وهي تكتب أمام اسمها في كشف الغياب وعرف أن اسمها "ريما" ..

"ريما" .. ما أجمله ذلك الاسم ، معناها يأتي من (رام بالمكان أي أقام به ولم يفارقه ) .. هكذا هي ، اختارت قلب زيد مكاناً لتقيم فيه ، كان زيد يفكر بها كثيراً وكان ذلك يزعجه إذ أنه لم يتعود التعلق بأحد خاصةً لو لم يعرفه جيداً ..
بعد فترة أصبح ذلك هو إزعاجه المفضل وأصبحت "ريما" هي القلق المحبب إلى قلبه .. كان يترقب حركاتها ويحاول اختيار أماكن الجلوس التي تقاربها ..
كان زيد سعيداً ، ربما للمرة الأولى بعد وفاة والده هو في أسعد حالاته ، حتى بعد ظهور نتيجة الثانوية والتحاقه بتلك الكلية التي طالما رغب بها لم يكن بتلك السعادة ..
لم يكن زيد قد أخبر زياد بعد بالأمر .. حدثٌ بمثل تلك الأهمية في حياته لا يجب أن يمر دون أن يستشير فيه صديقه زياد ..
"أي حدث ! لم يحدث أي شيء بعد !!" قال زيد ذلك في نفسه ، ثم ابتسم وقال بصوت مسموع :" إن الحب ذاته هو أكبر حدث" ..
إنه حقاً سعيد ويعلم أن صديقه سيكون سعيداً لسعادته ، كما تعود منه دائماً ..


في نهاية ذلك اليوم كان زياد قد خرج للاتفاق مع  بعض زملائه على عدة أشياء لمشروع علمي خارجي يشترك فيه ، وكان زيد يجلس في المكتبة ليبحث عن بعض الاضافات التي طلبها منهم المحاضر في المرة القادمة ..

رن هاتف زيد في المكتبة فالتقطه مسرعاً بالرد قبل أن يكسر الهدوء من حوله :" نعم يا زياد ، هل انتهيت ؟!! أنا أيضاً .. حسناً سأقابلك أمام الكافيتريا الرئيسية ، وعندي خبر هام لك .. "

خرج زيد مفعماً بالكثير من النشاط والحيوية والمرح الذي لم يعتاده شخص مثل زيد من قبل .. سيخبر زياد ويعلم أن زياد سيقول له ماذا يفعل فهو يعلم في هذه الأمور أكثر مما يعلم هو ..

نزل أدوار الكلية واحداً تلو الآخر ثم تجاوز الممر الرئيسي في خطوات سريعة ثم سار قليلاً ليصل إلى الكافيتريا والتفت ليبحث عن زياد قبل أن يتوقف فجأة .. !!


رأى زياد و ريما يقفان على الجهة الأخرى من الكافيتيريا يتحدثان ويتسامران .. وسمع ضحكة ريما للمرة الأولى وهي تتحدث ..
 
ليته لم يراهما وليته لم يسمعها !!

على مسافة عدة أمتار كان يقف زياد وريما ، وبداخله كادت أن تتوقف الحياة ...


يتبع ..

الجمعة، 2 أغسطس 2013

على غير ميعاد



على غير ميعاد للكتابة .. أمسك بقلمي الحائر الذي تركته منذ فترة ، لم أكن أخطط فيها أن يكون لقاؤنا المقبل بهذه الطريقة ..

فعلى غير استحياء تسللت ذكراكِ مرة أخرى بعد فترة انقطاع لا بأس بها .. كانت مريحة إلى حد البؤس و هادئة إلى حد الملل ..

على غير استئذان كلما سمعت فيروز عرضاً أو شممت رائحة القهوة تأتين في البال بدون سابق إنذار ويأتي معها جزء مني ذهب معك ..


في رمضان .. تأتي ذكرى رمضان السابق حيث كان للأمل النصيب الأكبر وحيث كان المجهول هو ما يملأ التوقعات ..

ما يزال الشهر المبارك لي هو شهر الدعاء .. وشهر الأمل .. بكِ أمس أو بغيركِ غداً ..

تأتي الأيام البعيدة لتلقى بمزحاتها الثقيلة علىّ عسى أن تفرحني ..

ويأتي شخص كان أنا يوماً ما ليقول لي "ابتهج فالقادم أفضل" ..

وتأتي الذكريات السعيدة لتذكرني بما كنت أوشكت أن أنساه ....

حين أنظر للأمر .. لم تكن مجابهة ولم تكن معركة ، لم تكن خسارة أو استسلام .. كان الأمر يسير دوماً وفق ما قدر له أن يكون .. ووفق ما كان يجب أن يحدث ..

لمَ يجب أن نفترض دوماً أننا مميزون عن سوانا وأن ما لم يحدث لهم يجب أن يحدث لنا ؟!!

لمَ يجب أن نفترض دوماً أننا نستحق ما لم يستحقه الآخرون ؟!!

أكاد أسمع درويش وهو يقول .. "كم كذبنا حين قلنا أننا استثناء" !

من ناحية أخرى أدركت أنكِ ربما لست الأفضل كما ظننت .. وأنه تنطبق عليك نفس القاعدة .. "كم كذبنا حين (اعتقدنا أنهم) استثناء" !


في النهاية .. تستمر الحياة والزمن كفيل بكل الآلام حتى العميقة منها ..

فبعد فترة نفعل ما كنا نعتقد يوماً أننا لن نفعله ونتخلى عما توهمنا دوماً أننا لن نعيش دونه و ننسى ما ظننا أنه لن ينسى إلا بموتنا ..

و رب ضارّة نافعة ..


ورغم أن الذكرى تحزنني لما بها من الأشياء التي لا يجب تذكرها ، ألا أنها تدخل على شيئاً من الرضا والسرور ليس بوجودك فيها فقط ولكن لأنها تذكرني أن ما حدث لم يكن وهماً وأني نزفت يوماً من المشاعر ما لم يكن مع غيرك..


مازلت أخشى أن أقترب من كل ما يقرب لكي أو التخلص منه لأنني لست مستعداً للرجوع ولست أيضاً مستعداً بعد للذهاب بعيداً عنكِ ..
وما زلت - كوعدي لك – أدعو لكِ بالخير كلما تذكرتك ..

 ولا تزال ذكراكي قائمة ولا يزال الوجع قائم .. إلى حين !!!